Posts

الكينونة والوجود

       إن الكينونة والوجود في الفلسفة مترابطان ومتداخلان إلى حد ما من حيث المعنى؛ ولم يكن لدى الإغريق القدماء كلمة مستقلة تعبر عن "الوجود"، إذ نشأت كلمة "الوجود" ككلمة متميزة عن كلمة "الكينونة" في العصور الوسطى. وتأثر الفلاسفة المسيحيون بالفلسفة الإسلامية التي أدركت عرضية العالم المخلوق مقارنة بالله الخالق، حيث استخدم هؤلاء الفلاسفة من أمثال توما الإكويني الكلمة اللاتينية  "existere" (والتي تعني "يوجد" أو "يظهر") على أنها مختلفة عن كلمة "esse" (التي تعني " to be - يكون") أو عن كلمة "essentia" (التي تعني " essence - الهوية"). لكن تم انتقاد التمييز بين الماهية والوجود في العالم في العصور الوسطى من قبل اللاهوتيين والفلاسفة في وقت لاحق لأسباب مختلفة.      حافظت الوجودية المحدثة على التمييز بين الماهية والوجود ، لكنها قامت بعكس أولوية الماهية على الوجود، التي كانت في العصور الوسطى. حيث أن الفيلسوف الألماني مارتن هايدجر، الذي انتقد النظرية التوماوية عن العلاقة السببية القائمة على الاختلاف بين

فينومينولوجيا علم النفس، دان زهافي

  فينومينولوجيا علم النفس من كتاب: الفينومينولوجيا: الأساسيات، دان زهافي  ترجمة: يامن زينة ما هي أصوله التاريخية؟ قد تكون نقطة البدء المنسابة من فيينا في ثمانينات القرن التاسع عشر. وبطبيعة الحال، بدأ ذلك حيث التحق هسرل (1859-1938 Husserl) بمحاضرات فرانز برينتانو (Franz Brentano 1838-1917)، الفيلسوف وعالم النفس الشهير، الذي كتب حول القصدية (intentionality) وأكد على أهميتها في تطوير وصف دقيق عن الوعي. وربما استطعنا أيضًا، على أية حال، أن نتناول بعض كتابات هسرل ذاته حيث يفرق بوضوح بين منهجين مختلفين في الفينومينولوجيا. إذ يصبح لدينا ما يسميه الفينومينولوجيا الترسندالية من جهة، وما يسميه علم النفس الفينومينولوجي من جهة أخرى.(1) الآن، ما الفرق بين هذين المنهجين؟ رغم أن كليهما يتعاملان مع الوعي، إلا أن لديهما أجندات مختلفة من حيث العقل. حيث يعتبر هسرل أن مهمة علم النفس الفينومينولوجي تكمن في استكشاف الوعي القصدي (intentional consciousness) على نحو غير اختزالي (non-reductive)، على سبيل المثال، على نحو يحترم فيه خصوصيته وسماته المميزة. إن علم النفس الفينومينولوجي هو علم نفس يتناول رؤية الذات (

فينومينولوجيا العمارة: البناء - السكن - التفكير

فينومينولوجيا العمارة: البناء - السكن - التفكير من كتاب "الشعر- اللغة - الفكر" لمارتن هيدغر،1971 ترجمة يامن زينة      فيما سيأتي سنحاول التفكير في السكن و البناء . هذا التفكير في البناء لا يسلّم بأنه يكشف عن أفكار معمارية، ناهيك عن إعطاء قواعد للبناء. هذه المجازفة في الفكر لا تصوّر البناء كفن أو كتقنية في الإنشاء؛ بل هي تقتفي أثر البناء روجوعاً ذلك المجال التي ينتمي إليه كل شيء. إذ نحن نسأل: 1- ماذا يعني "أن يسكن "؟ 2- كيف ينتمي البناء إلى السكن ؟      نحن نبلغ ماهية السكن ، كما يبدو، فقط عن طريق البناء . حيث أن هذا الأخير، أي البناء ، يمتلك الأول، أي السكن ، بكونه غايةً له. إن الجسور والهنغارات، والاستادات الرياضية ومحطات الطاقة جميعها أبنية لكنها ليست مساكن؛ كذلك محطات السكك الحديدية والطرق السريعة، والسدود، وصالات التسوق كلها مبنية، لكنها ليست أماكن لل سكن . حتى وإن كانت هذه المباني قائمةً في حيز ما نسكنه . قد يكون سائق الشاحنة في بيته على الطريق السريع لكنه لا يمتلك مأوىً هناك؛ والعاملة في بيتها في طاحونة الهواء لكنها لا تحصل هناك على مكان سكنها ؛ ورئيس المهندس

الفينومينولوجيا التطبيقية: علم الاجتماع الفينومينولوجي كنموذج

الفينومينولوجيا التطبيقية: علم الاجتماع الفينومينولوجي كنموذج من كتاب الفينومينولوجيا: الأساسيات، دان زهافي، روتلدج 2019  ترجمة: يامن زينة الفينومينولوجيا التطبيقية لا تهتم الفينومينولجيا، باعتبارها مسعى فلسفياً، في المساهمة في، أو توسيع دائرة معرفتنا الوضعية. إن مهمتها ليس كشف معرفة إمبريقية جديدة حول نطاقات مختلفة عن العالم، بل التقصي عن أساس هذه المعرفة وتوضيح كيف تكون ممكنة. وكما أشار هيدغر مرة بقوله: "أن يتفلسف المرء، يعني أن يكون مهمومًا دائمًا وعلى نحو كليّ وحسّاسًا على نحو مباشر بالأحجية الكلية عن الأشياء، تلك التي يعتبرها الحس المشترك بديهية لا يرقى إليها الشك".*   في الواقع، وفقا لإحدى القراءات يمثل هذا المجال من الوضوح المهمل، وعلى نحو دقيق، ذات المجال الذي تسعى الفينومنولوجيا للبحث فيه، ,وتستند قدرتها في فعل ذلك على فرضية تبنيها لتوجه فلسفي معيّن.  قد يتساءل المرء، ولديه معطى عن الطبيعة الفلسفية المتميزة لهذا المشروع، فيما إذا كانت الفينومينولجيا قادرة على تقديم أي شيء ذي قيمة للعلم الوضعي. هل تستطيع الإعلان عن عمل تجريبي؟ على أية حال، سأوضح في البابين القادمين أن

بين الأبودي والأبوفنطيقي - حوار فلسفي في أصل المعنى - يامن زينة يحاور إحسان طالب

  بين الأبودي والأبوفنطيقي حوار فلسفي في أصل المعنى يامن زينة يحاور إحسان طالب ا نطلاقًا من مصطلح الأبودي،أي اليقين البرهاني Apodicticity والأبوفنطيقي، أي منطق اليقين أو منطق الحكم Apophantic Logic، وهما مصطلحان للفيلسوف هسرل، نجد أن هذه المصطلحات ذات صلة وثيقة بالأبوفية والأبوفنطيقية وهذه الأخيرة مصطلحات أرسطية. إحسان: أنا اعتمدت ترجمة "بيان رسالة اليقين" لكلمة أبوفاسيس Apophasis؟ يامن:   أبوفاسيس تعني الإنكار والحذف البلاغي من البارلبسيس إحسان: هذا المعنى قريب للغة، أي المعنى اللغوي، لكن في الحقيقة هو مرتبط بقضايا الشك في اليقين. وهي في الأصل كلمة أرسطية تبحث في ماهية اليقين المؤكد أو اليقين المشكوك فيه. طبعاً أنا أتكلم بناءً على الشرح الذي يليها، وهو التفرقة بين اليقين الذي يحتمل الخطأ أو العصمة حتى لا تدخل في ارتباط ضد الوحي، أي أنه بالرغم أنه يقين فهو ليس معصوماً ، لذلك اقترحت ترجمة "بيان رسالة اليقين" لأنها في الأصل في الاستخدام الأرسطي تعني البيان والإفصاح عن الحقيقة أو اليقين. ومازلت غير مستقر على المعنى. يامن: من موقع ستانفورد plato.stanford.edu ، تحت عنو